الصفائح الدموية هي أصغر الخلايا الدموية حجما ولكنها تتسبب في حدوث عدد من أكثر الأمراض شيوعا، كالجلطات القلبية أو الدماغية في العالم وخصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا، ولذلك فإن الأبحاث المتعلقة بالصفائح الدموية اكتسبت في الأعوام الأخيرة المزيد من الإهتمام من أجل التعرف الكامل على وظائف الصفائح الدموية وأسباب اعتلالاتها الوراثية منها أو المكتسبة.
وفي سلسلة من الدراسات المنشورة في مجلة "الصفائح الدموية" Platelets استطاع فريق مكون من باحثين من كلية الطب وكلية الزراعة بجامعة الملك سعود بالرياض وكلية الطب بجامعة مينيسوتا الأمريكية ممثلة في البروفيسور جيمس وايت أحد أشهر المختصين في العالم في الصفائح الدموية من تسليط الضوء للمرة الأولى على اختلافات مهمة بين الصفائح الدموية في الإنسان والجمل.
وأشارت هذه الدراسات التي شملت أكثر من 100 جمل إلى أن الصفائح الدموية في الجمل هي أصغر حجما وأقل استجابة للمحفزات كما أنها تستطيع الحفاظ على شكلها ووظيفتها عند درجة 50 مئوية بينما لا تستطيع الصفائح البشرية تحمل درجة حرارة تزيد على 43 درجة حرارة مئوية.
وأشار الباحث الرئيسي في هذا المشروع البروفيسور عبدالجليل عبدالقادر، أستاذ علم وظائف الأعضاء بكلية الطب بجامعة الملك سعود والمختص في أبحاث الصفائح الدموية ، في مكالمة هاتفية معه، إلى أن "الجمل من أكثر الحيوانات قدرة على تحمل ظروف بيئية قاسية كدرجات الحرارة المرتفعة أو انعدام مياة الشرب أو الطعام المناسب لعدة أيام، ولذلك فإن التعرف على تكوين هذا المخلوق العجيب بالتفصيل قد يساعدنا في ابتكار طرق جديدة لعلاج أمراض بشرية، كما أن الجمل يعتبر من أكثر الحيوانات التي لم يتم دراستها بشكل كاف وهو الأمر الذي يضيف أهمية لهذه الدراسات المنشورة أخيرا".
واضاف البروفيسورعبد الجليل بأن أحد أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسات هو أن نشاط الصفائح الدموية لدى الجمل أقل بكثير منها لدى الانسان ولكن لا تزال الأسباب التي تجعل هذه الصفائح أقل نشاطا غير واضحة تماما. وستكون معرفة هذه الأسباب هدفا لدراسات مقبلة في هذا المشروع الطموح الذي استطاع جذب اهتمام المختصين في مجال الصفائح الدموية.
وتجدر الإشارة إلى أن الوظيفة الرئيسية للصفائح الدموية هي الإستجابة السريعة لحدوث أي نزيف دموي بالتجمع والالتصاق مع بعضها البعض لردم موقع النزيف من أجل وقفه. هذا النزيف قد يكون خارجيا ويجب وقفه كي لا يخسر الجسم المزيد من الدم، أو داخليا و يجب وقفه كي لا يتسرب للأنسجة المحيطة ويعطل وظائفها. وعند وجود نقص في عدد الصفائح الدموية أو خلل في عملها فإنه قد ينتج عنه عدم قدرة الصفائح الدموية على وقف النزيف.
وعلى النقيض فإن زيادة نشاط أو عدد الصفائح الدموية قد يتسبب في حدوث جلطات داخل الأوعية الدموية وهو الأمر الذي قد ينتج عنه حدوث جلطة قلبية أو دماغية. ولذلك فإن أي علاج يستخدم لعلاج اعتلالات الصفائح الدموية يجب أن لا يكون قويا لدرجة أن يثبطها تماما، وبالتالي تفقد قدرتها على ممارسة وظيفتها الرئيسية في منع حدوث النزيف، ولا ضعيفا لا يستطيع أن يمنع الصفائح الدموية المعتلة من تكوين الجلطات الدموية الخطرة والتي قد تكون قاتلة.
هذه المشكلة في التعامل مع الصفائح الدموية هي محل أبحاث مكثفة من فرق بحث حول العالم خصوصا تلك المرتبطة بشركات الأدوية التي تطمح بجني عائد كبير في حال تم التوصل لهذا العلاج. ولعل المزيد من التعرف على طبيعة وتركيب هذا الحيوان الصحرواي قد تكون بداية لعدد من الاكتشافات المهمة لا من الناحية العلمية البحتة فقط بل أيضا من الناحية التطبيقية، حيث أن إمكانية الإستعانة بمثل هذه الاكتشافات في تطوير علاج لعدد من الأمراض البشرية ممكن للغاية.
وبالتالي فهي فرصة للباحثين في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام، حيث الموطن الأساسي للجمل، لإجراء المزيد من البحوث والفوز بقصب السبق في هذا المجال البكر من الناحية البحثية قبل أن يلتفت الباحثين الغربيين لإجراء المزيد من الأبحاث على الجمل خصوصا في ظل نشر مثل هذه الأبحاث المهمة